Wednesday, March 28, 2007

المقدمة

في الأول من يناير من عام 1965 فجرت فتح انطلاقتها المباركة بعد مرور سبعة عشر سنة على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مفجرة السكون الذي مر خلال هذه السنين، الأمر الذي اعتقد فيه الإسرائيليون أنهم أصبحوا في مأمن، رغم العدوان الإسرائيلي على مصر عام1956 والذي اثبت للإسرائيليين عجز العرب عن المقاومة و عن القتال، الأمر الذي جعلهم يعتقدون انه بإمكانهم التوسع في أراضي الدول العربية في أي وقت يشاءون

جاءت انطلاقة فتح بوجه جديد من المقاومة و هي أسلوب حرب العصابات، و هي الحرب الطويلة الأمد التي تتناقض و القدرة الإسرائيلية على مواجهة حرب مفتوحة ليس لها نهاية
واجهت فتح عراقيل كثيرة و فتحت عليها مدبره من علامات الاستفهام من هي فتح، و متى و كيف تأسست و من وراءها فهل هي إخوان مسلمون، أوتا بعه لحلف الناتو، و رغم المذكرات التي قدمتها فتح للدول العربية، و لجامعة الدول العربية، إلا أن وسائل الإعلام وجدت من فتح و انطلاقتها فرصة للإدلاء بدلوها بالكتابة يسارا أو يمينا
فتح التي واجهت معركة الانطلاقة في صفوف قيادتها بين مؤيد و معارض، فتح التي واجهت تمويل الانطلاقة، لشراء الأسلحة و الذخائر و المتفجرات و غير ذلك من الأمور الإدارية، فتح التي واجهت المشككين في وطنيتها و التزامها الفلسطيني و العربي، فتح التي واجهت محاولة احتوائها من قبل الأجهزة العربية رغم ذلك استمرت عملياتها من خلال شباب فلسطيني وطني امتطوا الصعاب ، امنوا بالله ربا و بالإسلام دينا و بالوطن، امتطوا الصعاب فعلا لأنهم كانوا يتوجهون إلى فلسطين سيرا على الأقدام من سوريا عبر حدود الأردن و اجتياز نهر الأردن ثم الدخول إلى فلسطين ، ومن سوريا عبر الحدود ألسوريه أللبنانيه ومن ثم اجتيازا لحدود من جنوب لبنان باتجاه الأهداف الإسرائيلية شمال فلسطين ألمحتله. وذلك ضمن مجموعات صغيرة ، غير آبهين للتعب و الجهد ، و الجوع أحيانا ، فكل ذلك كان يهون أمام تحقيق الأهداف العليا و هي إيقاع اكبر الخسائر في صفوف العدو مقابل اقل الخسائر في جانبهم و هذه هي خلاصة حرب العصابات (الكر و الفر و إيقاع اكبر الخسائر في صفوف العدو مقابل اقل الخسائر في صفوف أفراد حرب العصابات) . و هذه هي قناعتنا في المرحلة الأولى من الانطلاقة بسبب تفوق العدو و بسبب الظروف العربية المحيطة بفلسطين

و جاءت حرب حزيران ( الخامس من حزيران1967 ) لفتح فجوه واسعة في جدار الصمت الباهت في المنطقة. لان الصلف الإسرائيلي رأى من خلال النجاحات التي حققها في عام 1948 ، و في عام 1956 ، حين احتل سيناء و غزة و انسحب منها بأمر من المجتمع الدولي آنذاك، اعتقد انه بإمكانه احتلال ما يريد من الأرض لان الطرف المقابل له لا يريد الدفاع عن الأرض. و هذا الأمر ظهر له واضحا من خلال ( حربي 1948 ، 1956 ) و جاءت حرب حزيران حتى يتمكن العدو من تثبيت احتلاله الأول عام 1948م و هذا أولا ، و حتى يستكمل احتلال باقي فلسطين ، ثانيا و من ثم محاولة احتلال سيناء ، و هضبة الجولان للمساومة عليها إذا كانت هناك مقاومة عربية ، أو إرادة دولية تجبرها على الانسحاب . لان العرب طالما انه ليست لديهم الإرادة للانتصار على إسرائيل بفضل قوة إسرائيل و علاقاتها الدولية الضامنة لأمنها فمن يمنعها من التصرف

في صباح يوم الخامس من حزيران شهدت كل من الجبهة المصرية و السورية و الأردنية جحيم من الحمم البركانية ، هطلت عليها ، تمكنت قوات العدو من احتلال سيناء و غزة و هضبة الجولان و كذلك الضفة الغربية في غفلة من الزمن ، انهارت هذه الجبهات , و رفعت الأعلام الصهيونية على تلك الأراضي , دمرت الطائرات المصرية , و تشرد الجيش المصري في الصحراء هائما على وجهه ، الآلاف من أولئك الأبطال قضوا في الصحراء و القليل منهم الذي اسر

أما على الجبهة السورية فرغم أن الدبابات السورية وصلت طلائعها إلى سهل طبريا و بدأت تدك المستوطنات الصهيونية ، إلا أن نشوة النصر هذه تبددت اثر إعلان من الإذاعة السورية يذيع سقوط مدينة القنيطرة، و كذلك سقوط الجبهة المصرية هذان العاملان دفعا بالقوات السورية التي اجتازت الخطوط الدفاعية الإسرائيلية إلى الانسحاب غير المنظم وتصادمت قواتها المتراجعة بعضها ببعض لان سقوط مدينه القنيطرة في يد العدو معناه محاصره القوات ألمتقدمه واحتمال إبادتها الأمر الذي أدى إلى إيقاع خسائر كبيرة في صفوفها أما مقاتلينا الذين كانوا يتقدمون الجيش السوري و التي كانت مهماتهم إيقاع الخسائر في صفوف العدو و تخريب منشاته لم يكن حظهم أوفر من حظ القوات السورية ، فاستشهد العديد من أبناء فتح في هضبة الجولان

و على الجبهة الأردنية احتلت الضفة الغربية بما فيها القدس رغم حدوث مواجهات في بعض المواقع مثل القدس و غيرها و انسحب أفراد الجيش الأردني إلى الضفة الشرقية، في ستة أيام انتهى كل شيء وسيطر العدو على سيناء و الضفة الغربية و قطاع غزة و هضبة الجولان.
كابوس من الجحيم من الذل و المهانة والحسرة . نزل في الشعوب العربية الأمر الذي أدى إلى انحطاط الروح المعنوية لدى الشارع العربي ، و ازداد الأمر سوءا اثر استقالة الرئيس عبد الناصر و نزول الشعب المصري إلى الشوارع و ثنيه عن الاستقالة

لكن ذلك وضع القضية الفلسطينية في مهب الريح، و زاد من المهام الملقاة على عاتق حركة فتح. فكان لا بد لفتح من أن تعي جيدا، فإما أن تنطلق و بقوة لإعادة الروح التي ترنحت في أجساد الشعب العربي بشكل عام و الشعب الفلسطيني بشكل خاص. فكان لا بد من طرح عامل اليأس و القنوط جانبا و لا بد من الاستمرار في عملها و بشكل فعال ونشط

في الثامن عشر من حزيران و بعد النكسة مباشرة، أرسلت فتح ثلاثين من خيرة كوادرها إلى الصين الشعبية ليتعلموا أصول حرب العصابات، و الحرب الشعبية الطويلة الأمد. و من جانب آخر اتخذ قرار بدخول الأخ أبو عمار و الكثير من الكوادر الأخرى إلى الضفة الغربية لإعادة ترتيب الوضع هناك و تنظيمه بما يتلاءم مع الظروف الجديدة ، أي ظروف الاحتلال ، و إيجاد حركة اتصال دائمة بين الداخل و الخارج و تامين الدعم اللوجستي لهم من حيث الأسلحة و الذخائر و غيرها . و ربط المناطق بعضها ببعض . و هذا ما تم فعلا ، حيث تم إدخال مجموعات كبيرة تم نشرها في مختلف المناطق ، و قد ساهم وجود الأخ أبو عمار في الضفة الغربية في رفع الروح المعنوية لدى شعبنا رغم أن وجوده كان سريا حيث تنقل بين القدس و الخليل و نابلس و غيرها و أسهم في ترتيب و تنظيم القواعد الإرتكازية في مختلف المناطق و سبل الاتصال بينها

في يناير 1968 ، استدعى الأخ أبو عمار الدورة من الصين الشعبية بعد أن مضى على وجودها ستة أشهر تقريبا، للحاجة إليهم و لتكليفهم في مهام داخل الأراضي المحتلة

قبل حرب حزيران كانت نقطة الانطلاق هي دمشق و من دمشق كانت توجه الدوريات عبر كل من الحدود – السورية – الأردنية – الفلسطينية أو عبر الحدود السورية اللبنانية – الفلسطينية، كما أسلفنا. وهذا العمل مرهق لإفراد الدوريات و كذلك للتكاليف، بسبب العجز المالي الذي رافق الانطلاقة، و الذي كان يعتمد جميعه على التبرعات و الاشتراكات الشهرية لأفراد التنظيم. لذلك فقد كان لوجود القوات العراقية اثر كبير في مساعدتنا على التنقل من الحدود السورية إلى داخل الأردن و كانت منطقة ( الحمراء ) الواقعة في منطقة المفرق و القريبة من الحدود السورية هي نقطة
التجمع و الانطلاق من سوريا و بالتالي إلى منطقة الأغوار بعد عودة الأخ أبو عمار من الضفة الغربية إلى سوريا ، رأى انه من الضرورة بمكان إعادة ترتيب قاعدة انطلاقه للمهام ، مستفيدين من الوضع الذي استجد بعد حرب حزيران ، فكانت منطقة الأغوار الشمالية و الجنوبية هي المرشحة لإعادة التمركز فيها و استخدامها كقاعدة انطلاق بين الأراضي المحتلة و الساحة الأردنية
من هنا جرى انتقال قيادة فتح إلى الأردن و في منطقة الكرامة بشكل محدد ، و لذلك كان العمل في الكرامة كخلية نحل ، يؤتى بالدوريات و
يتم تدريبها في قاعدة الشهيد أبو يوسف و يتم إعدادها من حيث التدريب و التأهيل و التسليح و يتم زجها إلى الضفة الغربية ، عبر نهر الأردن " الشريعة " و لان نهر الأردن يعتبر أسرع نهر في العالم فلا بد من تدبر أمر اجتياز النهر خاصة في فصل الشتاء سيما وأن العديد من الأفراد لا يستطيعون السباحة إما في فصل الصيف فهناك مناطق قد تسهل الاجتياز عبر مناطق يطلق عليها ( بالمخاضات ) و هي ليست عميقة . وعاده ما يكون ضمن الدورية دليل تعرف الطرق المؤدية إلى المناطق التي ستتوجه إليها الدورية و كذلك يكون سباح ماهر من ضمن الدورية حتى يساعد الأفراد الذين لا يعرفون السباحة و غالبا كل فرد من أفراد الدورية يحمل رشاشا ( سمو بال ، أو ستارلنج ، أو شما يزر إن وجد ، إضافة لمطره ماء و بعض القنابل اليدوية ، و متفجرات مع بعض المواد التموينية )
أما بالنسبة لأعداد الدوريات فكانت حسب نوع المهمة و غالبا ما تكون بين ( 3-5 ) أفراد أو ( 5-7 ) أفراد على أكثر تقدير. حتى تتمكن هذه الدوريات من عبور النهر بشكل سريع هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فان هذه تسير ضمن ارض محتلة ، فحتى يسهل عليها التمويه و الاختباء من حركة الآليات و الدوريات و الطيران المعادي ، أثناء النهار و في جنبات الليل . لان المسير يستمر أياما خاصة عندما تتوجه الدوريات إلى الخليل و بيت لحم ، و إلى نابلس و جنين و طول كرم أو لقطاع غزة . وهذه الدوريات يحدد لها مهام قبل توجهها إلى الأرض المحتلة منها ما تكون المهمة إيصال أسلحة و ذخائر و العودة، و منها للاتصال بأفراد و في مناطق معينة، و منها للتمركز في مناطق معينة، و تنظيم الوضع التنظيمي و القتال فيها و هكذا. حتى أصبحت الكرامة قاعدة إرتكازية مهمة جدا لاستمرار التواصل مع الأرض المحتلة

كانت التعليمات مع كافة الدوريات التي تجتاز النهر من منطقة الكرامة بعد الاشتباك مع العدو و محاولة تفويت فرصة الاشتباك معه حتى تتمكن الدورية من شق طريقها إلى هدفها المحدد. و لكن كان يفرض عليها الاشتباك عندما تصطدم مباشرة مع دوريات العدو عندها لا بد من الدفاع عن النفس، كان الهدف من كل ذلك الحفاظ على مناطق العبور من الكرامة و إليها و حتى لا يغلقها الإسرائيليون. باعتبار الكرامة هي اقرب المناطق في محاذاة قلب ا لضفة الغربية

سبعة شهور مرت على حرب حزيران تمكنت حركة فتح من انجاز الكثير من المهام سواء من حيث التدريب و التأهيل و زج عشرات الدوريات إلى الضفة الغربية ، و كذلك إعادة الانتشار في شريط الأغوار من الشونة الشمالية شمالا و حتى الشونة الجنوبية جنوبا

هذه الحركة النشطة كانت لا شك تثير العدو الإسرائيلي خاصة و انه كان يتابع من خلال استطلاعاته البر ية و الجوية و عملائه هذا التواجد المكثف لحركة فتح ، و بعض الفصائل الأخرى ، ويبدوا أن إسرائيل وجدت من هذا التواجد مركز انزعاج لها ، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ قرار باقتحام منطقة الكرامة و تصفية الوجود الفدائي فيها ، و إجهاض هذا النمو المطرد فيها . و لذلك أصبحت الكرامة هدفا للقصف المدفعي شبه اليومي لكافة المواقع في الكرامة شمالها و جنوبها و وسطها تهيئة لاقتحامها . موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال أن الفدائيين كالبيضة في يدي اكسرها متى أشاء

No comments: