Sunday, March 25, 2007

شهادتي التاريخية

دماء شهداء الكرامة أعادت الروح إلى أجساد الأمة العربية
مهما حاول المرء أن يصف شعوره وهو يكتب أو يشهد لحظات طواها التاريخ دون أن يعطيها حقها الذي روي بدماء هؤلاء الأبطال عن طواعية، شاهدوا الموت فاقتربوا كما شاهدوا آلات الموت والدمار فازدادوا تمسكا بالمقاومة؛ إيمانهم وإرادتهم التي لا حدود لنهايتها دفعتهم إلى تفجير الطاقات الكامنة ضد عدو متغطرس احتل الأرض والعرض احتل البيت والشجر والحجر. جاءت لحظه الانتقام ؛ فرصه نادرة أن يأتيك العدو بدل أن تذهب للبحث عنه يكفي انه وفر عليك عناء المسير في الفيافي والقفار واجتياز الأنهر وركوب المخاطر والصعاب.
ها هو يأتي ولأول مره يطلب هؤلاء الأبطال من قيادتهم المواجهة ولأول مره تتزاحم أقدام الأبطال وتعمل ليل نهار في تجهيز الخنادق والملاجئ وخطوط الاتصال بين القواعد والبيوت. الكل كان يعمل ليلا ونهارا عندما أصبح من شبه المؤكد أن الكرامة ستتعرض للهجوم
شاءت الأقدار أن أعود إلى الكرامة ففي منتصف شهر كانون الأول كنا في دوره في الصين الشعبية – دورة قادة فدائيين - وبناء لطلب الأخ أبو عمار استدعينا للعودة فورا وبدون تأخير. اذكر هنا من أفراد الدورة (الشهيد أبو صبري، الشهيد أبو الهول، الشهيد موسى عرفات، هاني الحسن، نصر يوسف، الطيب عبد الرحيم، إبراهيم أبو الخل، الحاج إسماعيل، حمدان عاشور، يونس الشريف، إبراهيم الطري، احمد الخطيب، وليد أبو شعبان، عبد العزيز أبو فضة وعدد آخر قد تخونني الذاكرة لاستيفاء أسمائهم) المهم عدنا إلى دمشق وتم وضعنا في مكان سري تمهيدا لتوزيعنا ضمن مهام سريه، ومن هناك بدأ توزيع المهام. وكانت مهمتي ومعي ( 17) مناضل أذكر منهم الشهيد موسى عرفات وزهير الوزير. وكانت مهمتنا الدخول إلى الأرض المحتلة عبر نهر الأردن. حيث سيتولى موسى عرفات التوجه إلى قطاع غزة في مهمة هناك، أما أنا فكانت مهمتي التوجه إلى منطقه الخليل بغرض تأمين قاعدة إرتكازية في جبال منطقة الخليل. وفي النصف الأول من شهر يناير لا اذكر التاريخ بالضبط بدأ تجميعنا في مكان في دمشق يطلق عليه -34- وقد تم نقلنا بعد ذلك من دمشق في سيارة لاندروفر الوحيدة التي كانت لدينا، وتم اجتياز الحدود السورية الأردنية حيث تم إيصالنا إلى منطقة الحمراء وهي قريبه من مدينه المفرق. وبعد أن تم تجميع كافة أفراد الدورية. تم إحضار سيارة شحن تابعه للجيش العراقي حيث جلسنا في السيارة وتم إغلاق السيارة وتوجهت بنا إلى الكرامة
وكانت المسافة طويلة والطريق في معظمه غير معبد، وما أن وصلنا الكرامة حتى تنفسنا الصعداء من كثره التعب والإعياء الذي الم بنا. وطلبنا من السائق وضعنا في الجانب الغربي من الكرامة حيث سنأخذ قسطا من الراحة هذه الليلة ومن ثم نقوم بالاستطلاع اللازم لاجتياز النهر
كان لابد لنا من الأخذ بعين الاعتبار عدم الاحتكاك بالجيش الأردني؛ لأنه وحتى تلك أللحظه لم يكن لنا تواجد في منطقه الأغوار بل لا بد أن يكون تحركنا سريا وبعد أن نزلنا من السيارة عادت السيارة أدراجها . أما نحن فقد اختبأنا خلف إحدى السناسل في غربي الكرامة؛ وفي نفس اللحظة التي نزلنا فيها واجهتنا مشكلتان الأولى أن الأمطار بدأت تنهمر وبشكل مفاجئ والأخطر من ذلك فقد بدأت مدفعيه العدو بقصف المنطقة الغربية ما الكرامة وهي نفس المنطقة التي نتواجد فيها. أمام هذا الموقف السيئ الذي واجهنا كان لابد من التصرف وبسرعة. فان أول إجراء لابد من القيام فيه هو إيجاد مكان لإيواء المجموعة ولا بد أن يكون آمنا وكذلك تامين الطعام لهم وهذه مسؤولية كبيرة

كنت اعلم قبلها أن أهالي بلدتنا يقيمون في الكرامة لكنني لا اعلم أين يسكنون ولم أكن على علم كذلك إن والدتي وإخوتي قد خرجوا من الضفة الغربية وجعلوا من الكرامة إقامة لهم وكنت لم أرهم منذ ثلاث سنوات. طلبت من الشباب الانتظار حتى أجد مكانا لهم وتركتهم جالسين على الأرض حتى لا يراهم المواطنون وبالتالي إبلاغ الجيش الأردني. توقفت قليلا لعلني أجد أحدا . وما هي إلا لحظات حتى مر بقربي رجلا فاستوقفته لأساله من أي بلدة أنت فقال انه من عجور عندها اضطررت لسؤاله من أي عائلة فأجاب الرجل قلت له هل تسكن قريبا من هنا فقال نعم عندها قلت هل لديك غرفه فارغة مؤقتا فأجاب نعم؛ فعلا ذهبت وإياه لرؤية الغرفة وأبلغته بأنني أريد إحضار مجموعه من الشباب مؤقتا، عندها أبلغته عني ومن أكون؛ لا شك انه رجلا محترما أحضرت الشباب ووضعتهم في الغرفة وكان الرجل كريما استضافنا هنا وقد نقلتهم في نفس الليلة إلى مكان أخر أكثر أمانا في بيت ابن عم لي

قال لنا سكان الكرامة أنها المرة الأولى التي يقصف فيها مخيم الكرامة. وفي صباح اليوم التالي ذهبت وموسى عرفات لاستطلاع النهر لعلنا نتمكن من العبور في تلك الليلة؛ وقد وصلنا النهر فعلا؛ كان الفصل شتاءا ومنسوب النهر عال جدا إلا أننا اتفقنا على المحاولة في تلك الليلة؛ وعند الغروب تحركنا إلى النهر مع المجموعة. استخدمنا كل الوسائل المتاحة لاجتياز النهر من الحبال إلى عجلات الكاوتشوك ولكن للأسف فان ارتفاع منسوب النهر حال دون تمكننا من العبور. ورغم ذلك فقد حاولنا على مدار الأيام الثلاثة التالية ولكن للأسف بدون جدوى. فصل الشتاء كان العائق فعلا ليس نحن فقط بل هناك العديد من الدوريات لم تتمكن أيضا. إن مهمتنا كانت العبور وليس التوقف في الكرامة وغيرها. ولذلك ابلغنا القيادة عدم مقدرتنا على العبور ناهيك أن العديد من أفراد الدورية لا يعرفون السباحة وهذه مشكله تضاف إلى المشاكل الأخرى
اقترحنا على القيادة أن نحاول من جنوب البحر الميت وفعلا تم إبلاغنا أن إحدى سيارات الجيش العراقي قادمة لتقلنا إلى منطقه غور الصافي؛ وفعلا جاءت السيارة في الوقت المحدد وتوجهت بنا إلى الكرك ومن ثم إلى غور الصافي

أنزلتنا السيارة ومضت ؛أما نحن فبدأنا المسير جنوبا وبالليل حتى لا يرانا احد من المواطنين استمررنا في السير حتى ساعة متأخرة من الليل حتى أصبحنا على موازاة إحدى المستوطنات جنوب غور الصافي واتفقنا على التوقف وإيجاد مكان امن نستطيع الاختفاء فيه وحتى لا يرانا احد ليس من الجيش الأردني فقط بل من الاستطلاع الصهيوني أو المواطنين حتى لا يوشي بنا احد

كان مسيرنا مهلك طوال الليل وما إن وجدنا مكانا ملائما حتى نام الجميع بلا حراك بعد أن أمنا الحراسات كمناوبة طبعا، فقد أمنا الطعام والماء ولكن كم يكفينا ذلك لا شك انه يمكن أن يكفي لمده أسبوع على الأكثر. لاصقت أجسادنا الخائرة جسد الصحراء البارد فكل منا يحمل بطانية واحده أضافه إلى الطعام والماء والسلاح والذخيرة والقنابل اليدوية الخ. لا شك بان الحمل كان ثقيلا لكننا كنا شباب وجميعنا في العشرينات من العمر؛ لا شك بان احسدنا كانت ترتعش من البرد حتى أن جميعنا أصيب بالإسهال في تلك الليلة

بدأت خيوط الشمس تنشر أشعتها على الصحراء ولكن خيوطها لم تقترب من الدفيء بعد وكان للإرهاق الكبير الذي ألم بأجسادنا أثره الفعال في تمكيننا من اختلاس لحظات من النوم. ومع انبلاج فجر جديد من ذلك النهار بعد هذه الليلة الليلاء التي عشناها منكمشي الأجساد؛ فنحن لا نستطيع إيقاد النار رغم إن الحطب كثير فنحن لا نبعد عن المستعمرة أكثر من 3-4 كم فقط
في مساء اليوم التالي لوصولنا توجهنا فورا إلى الحدود واقتربنا من الناحية الجنوبية من المستوطنة؛ وتوغلنا طرفها الجنوبي واقتربنا من تلال رمليه هناك وكانت مفاجئتنا كبيره فكلما اقتربنا من منتصف السفح الرملي ينهار بنا الرمل فننزل إلى أسفل؛ بقينا على هذه الحال إلى ما بعد منتصف الليل واستمررنا حتى بدأ الظلام ينقشع فقررنا العودة بعد أن ألم بنا الإرهاق والتعب. وأثناء عودتنا من أطراف المستوطنة دخلنا في مزرعة أبقار كبيره جدا خاليه ليس بها احد وهي مليئة بالأبقار. واصلنا مسيرة العودة لمنطقه فريفره إلى نفس المكان الذي نمنا فيه الليلة الماضية

فعلا كان ذلك مأزقا كبيرا فهو أكثر خطورة من النهر، فإذا ما اكتشفنا العدو ستكون كارثة فلا احد منا يستطيع الحراك. المهم أننا أصبحنا بعيدين فلا اتصالات ولا أجهزه لاسلكية وطعامنا يمكن أن ينفذ فالفرد منا يأكل في حالة إرهاقه أكثر وكذلك المياه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان عودتنا من جديد قد تفسر بشكل سلبي، وحتى لو فكرنا بالعودة؛ كيف سنعود ونحن نحمل الأسلحة والذخائر. واستقر بنا الرأي أن نترك ذلك للظروف في الأيام القادمة ...... يتبع

No comments: